الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011

وهم الميثولوجي عند القمني وملهميه




كان ظهور نظرية التطور(النشوء والإرتقاء) لتشارلز دارون(1) نقلة نوعية في الفلسفة الإلحادية فلم يقتصر تأثيرها في مجال دراسة الكائنات الحية ولكنه إمتد ليؤثر في مجالات كعلم الفيزياء الكونية ودراسة التاريخ الإنساني حيث نقل الملاحدة فلسفتها الهابطة - التي تعتمد على الصدفة والتطور التلقائي كنتيجة للطفرات والتفاعل مع البيئة- حرفيا إلى باقي المجالات فقالوا مثلا أن الدين قد نشأ بالصدفة كنتيجة لخوف الإنسان البدائي من ظواهر الطبيعة وغموض أسبابها بالنسبة له ومن ثم تطور الدين من عبادة مظاهر الطبيعة إتقاء لشرها مرورا بالوثنية و عبادة الطواطم والاجداد وإنتهاء بالديانات الإبراهيمية  أي أنهم إعتبروا قصص الدين كقصص اليونان القديمة وحكايات الشعوب الفولكلورية التي يمكن دراستها تحت مظلة ما  يعرف في الغرب ب(علم) الأساطير أو الميثولوجي
وكان هذا التوجه الميثولوجي مغمورا تماما في الشرق الأوسط والعالم العربي حتى حمل مشعله أحد الوجوه العلمانية المغمورة يدعى (سيد القمني) عمل في بداية حياته كمدرس للفلسفة بالمرحلة الثانوية ثم فجأة وبلا مقدمات واضحة نادى بنفسه باحثا أنثروبولوجيا وعالما في التاريخ الإنساني.
 أخذ هذا الشخص في نقل ما وجده عند المفكرين الغربيين كفرويد وصمويل كرامر وكارين آرمسترونج من خرافات وتأويلات وهمية تطعن في الأديان ونسب كثيرا منها لنفسه وقدم نفسه كباحث كبير مغوار لايشق له غبار وليكمل الصورة زعم حصوله على دكتوراة في الدراسات الإنسانية من إحدى الجامعات المرموقة تبين فيما بعد أنها دكتوراة مزيفة مشتراة بمبلغ 200 دولار من جامعة وهمية لاوجود لها ولما كشف أمره علل ذلك بأنه لم يكن يعرف أنها جامعة وهمية (2) ورغم ذلك مازال يستعمل لقب دكتور؟!

وعندما تظاهر القمني بالتوسع والإبداع المنفرد تناول سيرة خير الأنام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وتقول عليه الأقاويل جامعا آثار وضاعي الأحاديث مرة ومدلسا أو كاذبا مرات ومرات ليثير شبهات أي طفل مسلم يستطيع أن يفندها ويشهد على كذبها  (3) (4) تماما كما يشهد الكثيرون على سرقاته الواضحة التي يراها من لديه أدنى إطلاع على الثقافة الغربية(5)

ورغم كل ما سبق الذي يوضح بجلاء أن القمني دجال يفتقد للأمانة والصدق ولا يمت للبحث العلمي بصلة إلا أنه لاقى من النخبة العلمانية المسيطرة على الإعلام وأدعياء الثقافة العرب كل الحفاوة والتكريم بإعتباره باحثا فذا, فحصل على جائزة الدولة التقديرية (دولة حسني مبارك)! ثم حكم القضاء في مصر بعد الثورة بسحب الجائزة منه

ولا طائل من الإستفاضة أكثر من ذلك عن سيد القمني بشخصه فهو لا يستحق الإلتفات وليس هو هدف الموضوع ولكن سنوسع الصورة لتشمل موضوع الميثولوجي بصفة عامة لنوضح الحقيقة كاملة بإذن الله
يقول تعالى
 (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءايَاتُنَا قَالَ أَسَطِيرُ الأَوَّلِينَ * كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ  * كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ)  المطففين 13 -15

  بداية خرافة ربط الدين باالميثولوجي


.بعدما تبنت أوروبا العلمانية وأعرضت عن الإيمان بخالق لهذا الكون هروبا من العصور الكنسية المظلمة  حاولت الإجابة عن مصدر الأديان الموجودة في العالم بعيدا عن الخالق فكانت البداية بزعم دوغماتية الأديان أي أنها فكرة عصبية بلا أساس علمي حيث لا توجد آثار تاريخية للقصص والشخصيات الدينية المذكورة في التوراة والإنجيل فهي إذا (أساطير وهمية)




ثم ما لبثت الآثار والحفريات أن تبشر بآثارا النبوة كما فصلنا في مقال سابق (6) وعند هذه النقطة ظهر ما يعرف بعلم الاساطير أو الميثولوجي حيث تبدل المقال فقالوا :  هذه هي الأدلة ألم نقل لكم أنها (أساطير الأولين)!! ففي الحالتين الدين أسطورة وهذا قرارهم الذي إتخذوه جحودا وعنادا وهذه هي الدوغماتية الحقيقية وليس الدين.

وهنا تقمصت دراسة الميثولوجي لباس الفلسفة الدارونية كما أسلفنا فزعم بأن القصص أو الشعائر الدينية هي وثنية في الأصل نشأت بالصدفة وتطورت مع تطور الحضارة...ومن المفيد بعض التفصيل في تفنيد هذا الوهم


تفنيد وهم الميثولوجي 


أولا: يرتكز ربط الدين بالميثولوجي أساسا على أن هذا الكون بدأ صدفة وأن الإنسان والمخلوقات الحية كذلك نشأت بالصدفة, بمعنى أن من يتبنى نظريات الميثولوجي عليه أولا أن يؤمن بأن الإنفجار الكبير الذي بدأ الكون حدث (صدفة), وأن معدل تمدد الكون الذي لوقل بكسور من الثانية لإنكمش الكون على نفسه ولم يكن أصلا حدث أيضا (صدفة), وأن القوانين الدقيقة في الكون وجدت (صدفة) وأن خلق النجوم وتكون المجرات كمجرتنا حدث (صدفة), وأن مليارات المليارات من (الصدف) كونت المجموعة الشمسية و(بالصدفة) السعيدة تكونت الأرض وإستقر الحديد في باطنها وكون الجاذبية وتكون القمر التابع لها الذي ينير ليلها ويؤثرفي بحارها (صدفة) ومرة أخرى بعدد مشابه من (الصدف) تكونت المياة وتكون الغلاف الغازي للأرض (صدفة) وبعد ملايين السنين ومليارات أخرى من (الصدف) تكون حمض نووي أولي وصمد هذا الحمض ملايين السنين أمام الشمس وظروف الطبيعة (بالصدفة) حتى تكونت أول خلية حية (صدفة) وصمدت هذه الخلية بدورها ملايين السنين (صدفة) ثم كونت النباتات ثم الحيوانات الأولية (صدفة) وطبعا بقية القصة الشديدة المنطقية والعقلانية (نظرية التطور) إنتهت نهاية سعيدة بعد مئات الملايين من السنين بتكون مخلوق يعرف بالإنسان بأجهزة شديدة التعقيد والإعجاز والنظام وإنزيمات تفرز لعمل معين في وقت معين وبمقدار معين وهرمونات تنظم عمل الخلايا ونسب الجلوكوز والضغط وضربات القلب ومستقبلات كبيتا وألفا تتوزع في أنحاء جسمه وكيمياء معقدة ومشتبكات عصبية ووسائط كيميائية كجابا ودوبامين وسيروتونين تعمل مع بعضها بل وتكبح جماح بعضها لتخلق نظاما عصبيا توافقيا بديعا كل هذا (صدفة) ثم تكون (بالصدفة) لهذا الكائن زوج/زوجة ليستطيع التكاثر(كم نحن محظوظون!!) وهو ماحدث مع الحيوانات أيضا بالصدفة! ولكن زوجي البشر تطورت عقولهما نتيجة نظرهما للسماء أو ربما بسبب نوعية الطعام فبدأ يفكران .... ثم إخترعا الدين!!
إذا كنت لا تصدق الهراء السابق فلاداعي لإكمال باقي المقال فالإيمان بما سبق هو شرط لصحة حرب الميثولوجي على الدين  وبدونه فلا معنى ولا قيمة للميثولوجي لأن عدم صحة الهراء السابق يعني شيئا واحدا فقط لا مناص من حقيقته وهووجود خالق عظيم حكيم هو الذي أبدع الكون وأنزل الدين وأرسل الأنبياء.


ثانيا: فيما موضوعنا يتعامل  منظري الميثولوجي مع الحضارة السومرية في العراق كما لوكانت بداية الخليقة أو بداية ظهور البشر!! حيث كشفت حفريات الحضارة السومرية عن قصص تبدو مشابهه لبعض ما في التوراة والإنجيل مثل قصة عن طوفان عظيم إجتاح الأرض (ملحمة جلجامش) وقصص عن خلق الآلهة للإنسان من طين و خلق حواء وخروجه من الجنة وبالتالي زعموا أن الكتب السماوية ليست إلا تطورا لهذه الأساطير السومرية حوالي 3000 عام قبل الميلاد.
والسؤال ألم تكن هناك بشرية قبل الحضارة السومرية بعشرات الآلاف من السنين؟ ألم تكن هناك أمم وحضارات سابقة وكان هناك أنبياء ورسل وبشارات وأخبار وعبر بنفس الرسالة ومن نفس المصدر يقول تعالى:

 (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ) فاطر24

ويقول سبحانه

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) غافر78

ونجد فكرة وجود خالق لهذا الكون وفكرة وجود إله منتشرة ومتشعبة في جميع أنحاء العالم حتى في قبائل الغابات البدائية وحتى في أمريكا الجنوبية فمثلا نقلت الكريستيان ساينس مونيتور إكتشاف عمره أربعة آلاف عام يقولون أنه أقدم بداية مكتشفة للدين (حتى الآن) في أمريكا الجنوبية وهي عبارة عن تمثال لإله يعتقد أنه يمثل الخالق (7) وإن توغلنا في عمق التاريخ السحيق حتى قبل خمسين ألف سنة لوجدنا أن آثار البشر تدل أنهم كانوا يدفنون موتاهم بشعائر معينة تدل على إيمانهم بالحياة الآخرة كما ينقل موقع ديسكفري(8) فلم يكونوا أبدا همجا أو قرودا (أنظر مقال إنهيار الإلحاد – الجزء الأول – التطور) (1)
إذا فهذه القصص السومرية التي يزعمون أن الأديان الإبراهيمية غشت منها أونقلت عنها ماهي إلا بقايا وآثار النبوة السابقة من لدن آدم عليه السلام حرفت وتبدلت مع الزمن حتى وصلت للحضارة السومرية بهذا الشكل - هذا بالطبع إن صحت تأويلاتها وتفسيرها- وكل مافي الأمر أن الحضارة في العراق هي من بدايات الكتابة والتدوين المنتظم (الكتابة المسمارية) أو بمعنى أصح هي أقصى ما وصل إليه علمنا كبداية للتدوين ولكنها بكل حال ليست بداية الخلق لنجعلها مرجعيتنا.

ثالثا: يجب ملاحظة أن العهد القديم والعهد الجديد وما فيهما من حشو وأساطير ليسا حجة على المسلمين فمن المعلوم من الدين بالضرورة عند المسلمين أنها كتب محرفة وتحكي تفاصيل كثيرة في قصة الخلق وقصص الأنبياء والرسل يخالفها القرآن بشكل كامل وهو الرسالة الخاتمة التي تعهد الله بحفظها من التحريف والتبديل

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَفِظُونَ) الحجر9
فلاشك أن اليهودية والنصرانية دخلت عليها وثنيات وشركيات وخرافات كانت منتشرة في معاصريهم ومضاهئة أهل الكتاب للعقائد المنحرفة وتأثر كتبهم بها أمر لايخفى على أحد بل لقد ذكره رب العالمين في القرآن الكريم وأكد عليه فقال جل من قائل:


(وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَهئونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) سورة التوبة الآية 30


بل واشرك اليهود في حياة نبيهم موسى عليه السلام فأتخذوا العجل وعندما مروا على قوم يعبدون الأوثان طالبوا نبيهم بأن يصنع لهم الأوثان! يقول تعالى:

(وَجَوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) الأعراف 138
وسيدنا إلياس كان من أنبياء بني إسرائيل حين سرت فيهم عبادة (بعل) فزجرهم وذكرهم بالله

(وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ *إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَلِقِينَ) الصافات 123-125


 ويجب ملاحظة أن تأثر العهد القديم والجديد بالوثنيات لا يعني أن أصل الرسالة هو الوثنية والشرك  وإنما أصلها التوحيد و ما حدث هو إنحراف وتبديل وتحريف للأصل وليس العكس كما يزعم الميثولوجي

كما يجب ملاحظة أن كل منظري الميثولوجي من أصول غربية يهودية ونصرانية فمثلا صمويل كرامر كان يهوديا و يدرس في مدرسة والده العبرية(9) , وكارين آرمسترونج كانت راهبة نصرانية (10) وهؤلاء وغيرهم إحتفظوا بتصورهم العنصري القديم أن الإسلام هو مجرد تطور للنصرانية واليهودية وتغافلوا جهلا أو عمدا عن مخالفة القرآن الكريم لكتب اليهود والنصارى مخالفات لا تحصى تدحض تماما فكرة أنه تطور عنهما ولكن القمني وأشباهه ينقلون (يسرقون) عن الغربيين بلا تفكير كالببغاوات..وقصة الخلق في سفر التكوين مثلا كانت مثار بحث ونقد علماء مقارنة الأديان لقرون عديدة أثبتت مخالفتها الواضحة و تناقضها الصارخ مع القصة كما وردت في القرآن الكريم وعليه فإذا قالوا أن هناك آثار للوثنية في سفر التكوين فهذا يعني تلقائيا أن الإسلام يخالفها تماما لأنه يخالف سفر التكوين.

رابعا: الميثولوجي يعتمد بشكل شبه كامل على الإستقراء والتوقع والإفتراض وعند مراجعة كتب منظري الميثولوجي الغربية دائما تجد الشك وعدم اليقين أو على الأقل الترجيح وليس الجزم في تفسير القصص والحفريات والآثار المكتشفة ذلك أن كشفا أثريا جديدا ولو واحدا فقط قد يهدم كل النظريات المطروحة ويثبت خطئها ومن جهة أخرى فمعظم المكتشفات التي تبنى عليها نظريات الميثولوجي هي قصائد وملاحم شعرية ولايعرف على وجه الدقة ترجمتها ومن كتبها هل هم مثلا جماعة من المهرطقين أم مجرد شعراء يبالغون ويشطحون في خيالاتهم وربما يناقضون كل عقائد شعوبهم كما يفعل بعض الشعراء المعاصرين من تطاول على كل الثوابت والعقائد بل والكفر بحجة الإبداع كما يقول نزار قباني :

حين رأيت الله.. في عمّان مذبوحاً..
على أيدي رجال البادية..غطيت وجهي بيدي
وصحت : يا تاريخ ..هذي كربلاء الثانية.


ويقول في مجموعة (لا) أيضاً في (خطاب شخصي إلى شهر حزيران) :
من بعد موت الله، مشنوقاً، على باب المدينة.
لم تبق للصلوات قيمة..
لم يبق للإيمان أو للكفر قيمة.
ويقول مجرم آخر في قصيدته التي حصلت على جائزة دولة حسني مبارك التقديرية!!
الرب ليس شرطيًّا..حتى يمسك الجُنَاة من قفاهم
إنما هو قروي يزغِّط البط..ويجسُّ ضرع البقرة بأصابعه صائحًا:
وافرٌ هذا اللبن..الجناة أحرار لأنهم امتحاننا
الذي يضعه الرب آخِرَ كلّ فصلٍ..قبل أن يؤلف سورة البقرة

تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا وهؤلاء المجرمين عليهم من الله ما يستحقون بما قالوا من الكفر البواح..لكن الشاهد أن قصائدهم البالية تتحدث عن رب العالمين كشخص أو بشر وهو مالا يمثل عقائد شعوبهم ولا حتى ثقافتهم وهي شطحات كفرية لا فكرية.. وقديما قال المشركون في الجاهلية ان الملائكة بنات الله , وقال النصارى أن المسيح إبن الله  أو هو هو الله وصوروه في كنائسهم وحملوا صوره في جيوبهم وهي بزعمهم (صورة الله الشخصية  في جيوبهم)؟!! وربما صورت شعوب غيرهم الله رب العالمين كوثن أو صنم أو صورة وعبدوه فهل نقول  حينها أنه هو الله الذي ليس كمثله شيء؟!!!

 سبحانه و تعالى عما يشركون علوا كبيرا.



إذا فهمنا ماسبق فكيف يمكن لقصائد من مئات القرون الغابرة أن توضح عقيدة شعب وثقافته؟؟..ولماذا نصدق رفات قصائد لا نعرف سبب كتابتها أو مصدرها أو أهدافها ونعلي قيمتها (التاريخية) حتى أكثر من العهد القديم والعهد الجديد مثلا ونجعلها حجة عليهم وليس العكس؟! (مثال جدلي)

إذا فلا يسوغ لصاحب عقل أن يلهث وراء سراب الميثولوجي وإن كان الغربيين لهم (بعض) العذر لما عانوه من حرب الكنيسة على العلم وتعارض اللإنجيل المحرف مع العلم فما عذرالقمني وتابعيه أشباه المثقفين الذين يسرقون عن الغربيين نظريات واهية ويعرضونها كحقائق جازمة ويقين حاسم, بل ويتعسفون في تأويلها بما يوافق نفوسهم المريضة وهو ما يعترف به القمني نفسه فيقول أن أهم تعليق لأساتذته (المزعومين) عنه كان كما يلي:

(عدم إلمامى الكافى باللغات الأجنبية بالدرجة اللازمة للأبحاث الاجتماعية فى التاريخ الدينى، وأنى لجأت أحيانا إلى الاستنتاج فى مواضع لا يحسمها إلا وجود الأثر التاريخى الأركيولوجى) (2)




خامسا: التناول الموضوع البسيط لبعض دعاوى ربط الدين بالميثولوجي سواء للقمني أوغيره تبين تهافت كلامهم وتهاوي نظرياتهم كما في الأمثلة الآتية:



مثال 1: دعواهم أن شعائر الحج كالطواف وثنية مأخوذة من عادة الطواف حول الأوثان التي كانت منتشرة في شتى بقاع الجزيرة العربية بل وأنه كان هناك أكثر من كعبة ولم تبق إلا كعبة الإسلام.

ويجيب عن هذا الكلام ما نقله العلامة محمد ابوزهرة عن إبن إسحق في كتابة الماتع (خاتم النبيين) صفحة 38 كيف أن
(عبادة الأحجار في ولد إسماعيل بدأت بأن كان لا يظعن (يسافر) من مكة ظاعن إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم-مكة- تعظيما للحرم فحيثما نزلوا وضعوه وطافو به كطوافهم بالكعبة, حتى عبدوا ما إستحسنوا من الحجارة) (11).

ونفهمه كذلك حين نقرأ سورة الفيل وكيف أن أبرهة الأشرم حاول هدم الكعبة المشرفة رغبة منه في جذب الحجاج إلى كنيسة القليس التي بناها وزينها لتنافس الكعبة(12) تماما كما فعل نصارى نجران وهم بنو عبد المدان بن الديان الحارثي الذين بنو كنيسة بل وأسموها (كعبة نجران) مضاهاة للكعبة المشرفة وكان فيها أساقفة معتمون (13) وهي نفس القبيلة التي جاءت لمباهلة النبي عليه الصلاة والسلام بعد بعثته وهي التي ذكرها الأعشى في شعره فقال:

وكعــبة نجران حتم عليك....حــتى تناخي بأبــــوابها
نزور يزيد ، وعبد المسيح....وقيساً ، هم خير أربابها
إذا الحبرات ، تلــوت بهم.....وجروا أســــافل هُدابها

فالخلاصة هي أن بيت الله الحرام - الذي رفع قواعده سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل قبل بعثة سيدنا محمد بقرون متطاولة لايعلم مداها إلا الله (14) – كان مثار حسد وإعجاب وحب من قبل العرب كلهم فمنهم من حاول مضاهاة الكعبة إبتغاء للشرف والسؤدد ومنهم من طاف حول الحجارة مضاهاة للطواف حول الكعبة فتحول الأمر لوثنية وشرك جاء الإسلام ليرده إلى أصله وإلى الحنيفية السمحة التي بعث بها إبراهيم عليه السلام قرونا متطاولة قبل الإسلام.

(مَا كَانَ إِبْرَهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) آل عمران 67

وعلى القمني بدلا من هرائه السابق أن يتأمل طواف البرتوبلازم داخل الخلية (15) وطواف الإلكترونات حول نواة الذرة وطواف الأرض حول الشمس وطواف الشمس والنجوم حول مركز المجرة(16) ويتسائل كما نتسائل هل هو طواف أو تسبيح للكون يماثل طواف الحجيج حول الكعبة؟  الله أعلم وإن كنت اعتقد أن سيد القمني سيعزو كل هذا لبقايا الوثنية أيضا!

(تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ) الإسراء44


مثال 2: إحدى أكبر الكذبات والخرافات التي تتداولها المواقع الملحدة كحقيقة مسلمة إدعائهم  أن لفظة (جهنم) هي مشتقة من إسم وادي في القدس كانت تحرق فيه القرابين البشرية للإله الوثني ملوخ وإسمه وادي (جي بن هنوم) وللأسف لم يدرك علماء الكتاب المقدس أصلا للكلمة فتابعوهم...فكان الملاحدة يسخرون منهم بأنهم يتابعون إلها وثنيا (ملوخ) وأنه هو من سيعذبهم بناره في وادي (جي بن هنوم).
لكن المفاجأة أن لفظة جهنم وجدت في برديات الفراعنة القدماء (شا-إن-آمو) (جَهَنَّمُ ) وتعني حرفيا بحيرة النار في طوات (عالم مابعد الموت - الآخرة) (17) (18) ..وهذا يؤكد ما قلناه سابقا أن إكتشافا أثريا واحد قد يؤدي لتهاوي كل النظريات الكبيرة والإدعاءات العريضة للميثولوجي.


ليس هذا فحسب فهذا الآثر يؤكد وجود آثار وبقايا النبوة عند الفراعنة الذين جاءهم موسى ومن قبله يوسف عليه السلام ومن لايعلمهم إلا الله يقول تعالى:

(وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ ) غافر34


 هل ما سبق يعني أننا توصلنا نهائيا لأصل كلمة جهنم ؟

والإجابة هي بالطبع لا! ولايمكننا الجزم بشيء ولن يمكننا فربما ظهر غدا كشف آخر في جزيرة العرب وبعد غد في أمريكا اللاتينية! كما ذهب بعض اللغوييين أن لفظة جهنم غير معربة أصلا بل هي عربية صرفة مشتقة من بئر تسمى (جهنام) , ونعرف أن اللغة العربية قد تستخدم ما تعارف عليه العرب ودرجوا على سماعه وإن كان أصله أعجميا وتم تعريبه فأصبح (عربيا) وهذا مشهور ومعروف في تبادل الألفاظ بين اللغات وتأثرها ببعضها.

وقبل هذا فكل اللغات أصلها لغة سيدنا آدم عليه السلام الذي عرف جهنم كما عرف جنات عدن والفردوس والملائكة وغير ذلك ومنه ومن اولاده عرفتها البشرية لأول مرة ولذلك فبالنسبة لنا كمسلمين تنطع الملاحدة ومحاولا تهم الفاشلة في مجال أصول الكلمات لايفرق عندنا كثيرا فنحن نؤمن بها كما قال ربنا وبلغ رسولنا عليه الصلاة والسلام ولا نقف ماليس لنا به علم فالله أعلى وأعلم.


أخيرا يجب أن نؤكد أن هذا الكشف الأثري السابق ليس الأول-وليس الأخير- الذي يدحض نظريات الميثولوجي فهو يماثل تماما ما حدث عندما شكك منظري الميثولوجي في وجود الأنبياء كإبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب وموسى وكشفت الآثار الفرعونية عن لوحة (بني إسرائيل) الموجودة الآن في المتحف المصري بالقاهرة وأثبتت بشكل قاطع وجود بني إسرائيل وكما نعلم فإسرائيل هو (يعقوب) عليه السلام.(19)






مثال 3 : زعمهم أن قصة طوفان نوح في الكتاب المقدس ومن بعده القرآن مأخوذة من (ملحمة جلجامش) في العراق القديم .و قد تعودنا من منظري الميثولوجي التعسف في تفسير الآثار لتوافق أهوائهم ولكن بإفتراض أن (ملحمة جلجامش) لها بالفعل علاقة بشكل ما مع قصة طوفان نوح وليس مجرد تشابه مزعوم , فهذا الزعم فيه تغافل واضح عن حقيقة أن قصة الطوفان هي قصة عالمية موجودة عند كل شعوب العالم تقريبا فهي موجودة في أستراليا وكندا وبوليفيا وويلز والهند والصين وشرق أفريقيا وأمريكا الشمالية (20) مما يؤكد أن لهذه القصة أصلا وحقيقة عرفتها تلك الشعوب كتاريخ أو كبقايا من آثار النبوة كخبر أو بشارة دينية.

( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلمٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَلَمِينَ ) الصافات 78-79

والقرآن الكريم حين يتناول قصة طوفان نوح فهو كما في كل القصص القرآني  يركز على النقاط الهامة التي تستخلص منها الحكمة والعظة ولا يخوض في تفاصيل كثيرة لن تؤثر في الحكمة المستخلصة ولذلك فقصة الطوفان بتفصيلاتها الكثيرة عن الحيوانات وعدد من نجى مع نوح كما ترد في الإسرائيليات والكتاب المقدس أو الآثار الضعيفة والموضوعة ليست حجة على المسلمين يقول الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار:

(لم يبين لنا الله - تعالى - ولا رسوله عددهم ، فكل ما قاله المفسرون فيهم مردود لا دليل عليه كما قال ابن جرير الطبري ، كما أنه لم يبين لنا أنواع الحيوانات التي حملها ، ولا كيف جمعها وأدخلها السفينة وهي مفصلة في سفر التكوين ، وللمفسرين فيها إسرائيليات مضحكة نخالفها ، لا ينبغي تضييع شيء من العمر في نقلها وإشغال القراء بها) (21)

وهذه الصورة توضح مقارنة بين قصة الطوفان عند شعوب العالم المختلفة من شتى أنحاء الكرة الأرضية




مثال 4: تفسير القمني لنشأة الطوطمية ومن ثم الأضحية قد يدفع البعض للإستلقاء على ظهره ضاحكا فهو مثال واضح على العبثية والنقل اللاعقلاني من الغرب مهما كانت شطحاته فيقرر القمني أن نشأة الأضحية بدأت من أن الإنسان البدائي بدأ بتقديس والديه، فهما من يوفران له الطعام والأمان، والحنان والدفء واستمر هذا التقديس للوالدين بعد موتهم
وما زاد الأمر إثارة للإنسان البدائي هو ظاهرة الأحلام التي أعادت الوالدين الميتين لأنظار الابن الذي لم يعرف أين يختبأ والداه. وفي سبيل الإجابة على هذا اللغز المحير تخيل الإنسان البدائي أن والديه حلاَّ في الشجر أو الحيوانات (الطوطم) ولا تفتأ الجماعة تسترجعُ ذكراه عاماً بعد عام في الحيوان الطوطم -وغالباً ما يكون خروفاً أو تيساً- الذي ترعاه الجماعة بعناية واهتمام حتى يحين موعد "استشهاده" ليعيد ذكرى استشهاد الفقيد، وفعله لأجل الجماعة. لهذا يأكل الأبناء لحم الخروف كي يحتووا الفقيد في أجسادهم، مع غرقهم في أجواء الحزن والألم!

طبعا الرواية الهابطة السابقة منقولة بالحرف من نظريات سيجموند فريد وويليام روبيرتسون سميث (22) في محاولة للتكامل مع تشارلز داون .وبالطبع هذا التخريف الذي لاخطام له ولازمام لا يستحق التعليق فأقصى ما يقال عنه أنه أحلام يقظة وهلاوس فكرية لكن النقطة هنا إسلوب القمني فهو يفتقد حتى القدرة على الإبتكار والإبداع فينقل حرفيا عن غيره كما أنه على مايبدو لم يتعلم الدرس فمازال يحتفظ بعيبه القديم الذي ذكره عن نفسه في بداية المقال...الخيال الواسع بلادليل..أو بمعن أصح (الوهم)




أخيرا فلنعلم أن أوهام دعاة الميثولوجي ومزاعم الملاحدة والعلمانيين لن تنتهي وسيثابرون على إثارة البلبلة بشبهات صبيانية مغلفة بغلاف العلم ولغة المنطق لذا فقد حاولنا في هذا المقال التركيز على وضع أطر عامة ونقاط منهجية تدحض بحول الله ما قالوا أو ما سيقولون بغض النظر عن تفاصيله ونسأل الله التوفيق والهداية والقبول

(أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) الانعام 122

والحمدلله رب العالمين



(مختصر تاريخ الحقيقة) على الفيسبوك ...تابعونا

www.facebook.com/bh.truth







1-  http://www.facebook.com/bh.truth#!/note.php?note_id=214730451890949

2-  http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=221530

3-  http://www.elaphblog.com/posts.aspx?u=1238&A=23967

4-  http://www.youtube.com/watch?v=RXdTrb-ndes&feature=related

 5-  http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=207759

6- http://www.facebook.com/bh.truth?sk=notes#!/note.php?note_id=231052856925375

7- http://www.csmonitor.com/2003/0417/p02s02-woam.html

8- http://news.discovery.com/history/neanderthal-burial-ground-afterlife-110420.html

9-  http://en.wikipedia.org/wiki/Samuel_Noah_Kramer

10-  http://en.wikipedia.org/wiki/Karen_Armstrong

11- ص38  الجزء الأول – إدارة إحياء التراث الإسلامي –قطر1979م –كتاب خاتم النبيين

12 -  http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=3851&idto=3855&bk_no=48&ID=3351

13– يا قوت الحموي - معجم البلدان , 5/268

14-  http://www.islamweb.net/hadith/display_hbook.php?hflag=1&bk_no=105&pid=306295

15- http://plantcellbiology.masters.grkraj.org/html/Plant_Growth_And_Development13-Physiology_Of_Plant_Movements.htm

16 - http://www.telegraph.co.uk/science/science-news/3310541/Amateur-stargazers-map-a-lopsided%20universe.html

17 -  http://www.khayma.com/albayan/jahannam.htm

18 -  http://www.aregy.com/forums/archaeology30777
لقاموس الهيروغليفية المصرية لوالس بيدج - الجزء الثاني - صفحة 720 وموجود على الرابط

19 - http://www.facebook.com/bh.truth?sk=notes#!/note.php?note_id=231052856925375

20 - http://www.nwcreation.net/noahlegends.html

21 -http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=65&surano=11&ayano=40


22-http://en.wikipedia.org/wiki/Totem_and_Taboo





هناك تعليق واحد: